أكد النائب السابق لحاكم مصرف لبنان وعضو اللجنة التي كلّفت بمراجعة قانون النقد والتسليف غسان العياش، أنّ تشكيل اللجنة كان خطوة ضرورية بعد الأزمة الخطيرة التي تعرّض لها النظام المالي في لبنان والتي أدّت إلى انهيار شامل للقطاع المصرفي، الذي تزامن مع انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، مشيراً إلى أن هذه الأزمة كما وصفتها مؤسّسات دولية هي من أسوأ الأزمات المالية في العالم، والتي لا مثيل لها منذ انهيار النظام المالي العالمي قبيل الحرب العالمية الثانية.

ورأى العياش أنه كان طبيعيًّا أن تنكبّ الدولة على درس قانون النقد والتسليف، وهو التشريع الأساسي الناظم للنشاط المالي، لاكتشاف النواقص والثغرات الكامنة في القانون والتي يمكن أن تكون سبباً في الانهيار، فواجب الدولة أن تستخلص العبر من الكارثة وإدخال التعديلات القانونية الضرورية لمنع تكرار الزلزال المالي في المستقبل.

وكشف أنه في الفترة التي كانت اللجنة تعقد خلالها اجتماعات مكثّفة لمراجعة لقانون وبلورة الاقتراحات، سأله أحد الإعلاميين عمّا إذا كان عمل اللجنة سيحمي حقوق المودعين فأجابه بأن اللجنة ليست معنية بحقوق المودعين الحاليين، ولكنها تسعى إلى حماية المودعين المستقبليين وتحصين أموالهم ضد الزلازل والأعاصير.

وعن الاقتراحات التي توصلت إليها اللجنة، أوضح العياش أنه لا يمكن الادّعاء بأن المشروع الذي قدّمته يشكّل إصلاحًا كاملًا للنظام المصرفي والنقدي، فلا يزال هناك عمل شاق وطويل للوصول إلى النظام العصري الأمثل، لكن المشروع تضمّن إصلاحات أساسية في حال إقرارها ستعزّز الحوكمة في مصرف لبنان.

ولفت إلى أنه "تمّ التأكيد على أن القرارات في مجل السياسات النقدية والمصرفية تعود للمجلس المركزي والحاكم ملزم بتطبيق قرارات المجلس، ومقابل الصلاحيات الواسعة للحاكم، التي لم نسعَ إلى تضييقها، اقترحنا تعزيز الرقابة على الحاكم وأجهزة المصرف كافّة عن طريق استحداث هيئة تدقيق مستقلة عن الإدارة التنفيذية للمصرف وتعيين مدققي حسابات خارجيين وتفعيل دور دائرة التدقيق الداخلي. تضمّنت الاقتراحات أيضًا شروطًا مشدّدة، أو أكثر تشدّدًا، لاقتراض القطاع العام من مصرف لبنان وكذلك بالنسبة إلى توظيفات المصارف لديه"، موضحاً أن "هذا نموذج عن الاقتراحات التي قدّمناها إلى رئيس مجلس الوزراء، وهو سيعرضها على الحكومة تمهيدا إحالتها إلى مجلس النوّاب".

أما عن الإصلاحات التي لم تتمكن اللجنة من تبنيها، عدّد العياشّ بعض النقاط بوصفها أمثلة فقط، حاكم مصرف لبنان هو رئيس لمجموعة من المؤسّسات ذات الأدوار المتناقضة أحيانًا، فهو رئيس إدارات مصرف لبنان وموظفيه وكذلك هو أيضًا رئيس الهيئة المصرفية العليا ورئيس هيئة التحقيق الخاصّة وهيئة الأسواق المالية، معتبراً أن ارتباط كل هذه الأجهزة بشخص واحد يرفع منسوب المخاطر في النظام المالي بأسر، وربما كان من أهمّ أسباب الانهيار القائم حاليًّا، مشيراً إلى أن هذه الإشكالية متروكة للمستقبل لتبحث في ظروف سياسية ملائمة.

ولفت إلى أنه "في المنحى ذاته، من أهمّ الأفكار الجديرة بالبحث هو اقتراح منح الاستقلالية الكاملة للجنة الرقابة على المصارف بدل أن تبقى تحت هيمنة حاكم مصرف لبنان. وبشكل عام اكتفينا بدرس هيكلية مصرف لبنان وعلاقته بالحكومة ولم تبحث في القسم الثاني من القانون الذي يتعلق بالتنظيم المصرفي، على أهمّيته، لأن الحكومة أبلغتنا منذ البداية أن المواد المتعلقة بالنشاط المصرفي خارجة عن نطاق التكليف المحدد للجنة".

وأضاف: "مسألة مهمّة للتفكير في المستقبل. المشروع يشدّد شروط إقراض مصرف لبنان للدولة، لكن الاتجاه العام في العديد من الدول، مثل أوروبا، تمنع اقتراض القطاع العام من المركزي بصور قاطعة. ولم نتبنّ الحظر المطلق بسبب الأوضاع المأساوية للمالية العامّة التي قد تعجز عن تأمين الرواتب للموظفين. هذه مسألة للتفكير والتبصّر في المستقبل".

وشدد العياش على أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتمّ في ظل الفراغ الرئاسي، لأن الإصلاح خيار يجب أن يحمله رئيس قائد ويقاتل في سبيله، كما فعل الرئيس الراحل فؤاد شهاب في العام 1963، عندما أصدر قانون النقد والتسليف رغم المعارضة الحادّة التي واجهت بها المصارف القانون الجديد.